كان إبني الصغير الذي يبلغ من العمر 8 سنوات يلعب مع أصدقائه، وكما تعلمون فإن عالم الأطفال لا يعرف الحدود أو الحواجز أمام فضاء واسع من اللعب والإستمتاع.
وبينما هم كذلك، يمكنك سماع الصيحات بين الفينة والأخرى للإعتراض على هذا أو ذاك، وفي خضم هذه المعمعة، سمعت أحدهم يقول لإبني "فاشل"، فهو قد أخطأ الهدف، على كلٍ لم تأخذني الحمية للثأر، وانتظرت حتى ينتهي اللعب، وبعد ذلك تحدثت مع ابني وعبرت له عن سعادتي بأدائه الرائع في الملعب، ومن ثم استدرجته في الحديث – طبعاً بعد الثناء – وقلت له : "سمعت أحدهم يقول أنك "فاشل"؟"، اسمع يابني – دوري في الوعظ والإرشاد! – "لا تسمح لأي مخلوق في الدنيا أن يقول لك "فاشل"، حتى والدك الذي رباك!، فأنت لست ما يقوله الآخرون عنك.
ربما لا يأبه الكثيرون لكلمة عابرة مثل "فاشل"، فهي أصبحت من الكلمات المتداولة في حياتنا اليومية، يتلاشى وقع صداها مع الوقت، لكنني لم أُرد لها أن تمضي دون أن أتوقف عندها، دائماً ما أخبر ابني بأنه ذو شخصية قوية وقيادية، ويُحسن التصرف، وأبني فيه ثقته بنفسه، حتى عند الخطأ، أشجعه ليعترف به حتى يتعلم الدرس منه، فهو إذا لم يعترف بما فعل، فلن يتعلم أبداً.
نحن تربينا في يبئات مختلفة وثقافات متفاوتة، ربما كان والدك محاضراً في الجامعة، أو معلم مدرسة، أو حتى رجل أعمال، لكن ما حصل عليه الكثيرون منا، تهميش وتعويق وتقزيم للقدرات والمواهب المخزونة في داخلنا، واتهامنا بـ"الفشل" ربما تكون أبسط الكلمات التي قيلت للبعض، وأننا – كما يقول المصريون – "لو ترى حلمة ودنك" إذا فلحت!.
يحضرني قصة للدكتور الرائع إبراهيم الفقي – رحمه الله – عندما يتحدث عن نفسه بنوع من فكاهته المعهودة، فيقول أنه كان معروفاً في البيت باسم "الغبي" وأخوه بـ"الأهبل"، وعندما يطلبه والده يناديه بـ"الغبي"، وهكذا "فاشل"، مسلسل لا ينتهي من التدمير للذات ومعاقبة من نحب في حياتنا، وهذا "مايكل جوردان" يخطيء في 9000 آلاف رمية، ويخسر ما يقارب 300 مباراة، وكان هناك 26 مباراة كان واثقاً فيها بالفوز وفشل، وفي مقابل هذا أصبح الرجل الأسطورة الأول في عالم كرة السلة.
كل منا يملك قوة خلاقة بين جنبيه، لو أراد فعلاً أن ينجح، فإذا أخبرك أحدهم بأنك "فاشل"، أو لمّح لك بكلمات مختلفة بهذا المعنى، أو حتى بسلوكيات من اللامبالاة تجاهك، اعلم أنك في اللحظة التي تستجيب فيها لما يعتقده الآخرون عنك، فأنت "فاشل" فعلاً!.
قد هيّؤوكَ لأمرٍ لو فطنتَ لهُ *** فاربأ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ
وأنتَ في غفلةٍ عمّا خُلِقتَ لهُ *** وأنتَ في ثقةٍ من وثبةِ الأجلِ
فزَكّ نفسكَ مما قد يدنّسُها *** واختر لها ماتَرَى من خالصِ العملِ
أأنتَ في سكرةٍ أم أنتَ منتبهاً *** أم غرّكَ الأمنُ أم أُلهيتَ بالأملِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق